فصل: 189- باب فضل المشي إلى المساجد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.187- باب فضل الصلوات:

قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
قال البغوي: الفحشاء: ما قبح من الأعمال، والمنكر: ما لا يُعرف في الشرع. قال ابن مسعود وغيره: في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف، ولم تنهه عن المنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بُعدًا. وعن أبي هريرة قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ قَالَ: «إِنَّهُ سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ». رواه أحمد.
1042- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ؟» قالوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا». متفقٌ عَلَيْهِ.
1043- وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ». رواه مسلم.
«الغَمْرُ» بفتح الغين المعجمة: الكثير.
شبه صلى الله عليه وسلم الصلوات بالنهر الجاري، والخطايا بالدرن الذي يغسله الماء، فالصلوات تكفر صغائر الذنوب دون كبائرها؛ لأن الماء لا يغسل الجذام ونحوه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر».
1044- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا أصَابَ مِن امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأخْبَرَهُ فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِيَ هَذَا؟ قَالَ: «لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قوله: «فأنزل الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ}»، في رواية عند أحمد ومسلم: فقرأ عليه: «أقم الصلاة»، وأوله: قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أَخَذْتُ امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ، فَفَعَلْتُ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُجَامِعْهَا، قَبَّلْتُهَا وَلَزِمْتُهَا، وَلَمْ أَفْعَلْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَافْعَلْ بِي مَا شِئْتَ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَوْ سَتَرَ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ فَأَتْبَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ، فَقَالَ: «رُدُّوهُ عَلَيَّ»، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [الأحزاب: 35]، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: أَلَهُ وَحْدَهُ أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟، فَقَالَ: «بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً»
1045- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغشَ الكَبَائِرُ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: دليل على أن أعمال البر تكفر الذنوب الصغائر.
قال الله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31].
1046- وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءها؛ وَخُشُوعَهَا، وَرُكُوعَهَا، إِلا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوب مَا لَمْ تُؤتَ كَبِيرةٌ، وَذلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: تنبيه على تعميم تكفير الطاعات للصغائر كل زمن.

.188- باب فضل صلاة الصبح والعصر:

1047- عن أَبي موسى رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
(البَرْدَانِ): الصُّبْحُ والعَصْرُ.
سُمِّيا البردين؛ لفعلهما وقت البرد، ووجه تخصيصهما بالذكر عن سائر الصلوات أن وقت الصبح يكون عند لذَّة النوم، ووقت العصر يكون [عند] الاشتغال، وأن العبد إذا حافظ عليهما كان أشد محافظة على غيرهما.
وفيه: إيماء إلى حسن خاتمة مصليهما بوفاته على الإسلام.
1048- وعن أَبي زهير عُمارة بن رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» يعني: الفَجْرَ والعَصْرَ. رواه مسلم.
تخصيصها بذلك أنَّ وقت الصبح يكون عند النوم ولذَّته، ووقت العصر عند الاشتغال بتتمات أعمال النهار. ففي صلاتهما دليلٌ على خلوص النفس من الكسل ومحبتها للعبادة، ويلزم من ذلك إتيانه ببقية الصلوات الخمس.
قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 36: 38].
1049- وعن جُنْدُبِ بن سفيان رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ في ذِمَّةِ اللهِ، فَانْظُرْ يَا ابْنَ آدَمَ، لا يَطْلُبَنَّكَ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: التحذير عن التعرض للمصلين، وأذاهم بغير حق. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 58].
1050- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيجْتَمِعُونَ في صَلاَةِ الصُّبْحِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ- وَهُوَ أعْلَمُ بِهِمْ- كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادي؟ فَيقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قوله: «يتعاقبون فيكم»، في رواية للبخاري: «الملائكة يتعاقبون، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار». ولابن خزيمة: «إنَّ لله ملائكة يتعاقبون».
قوله: «فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم»، قيل: الحكمة في سؤالهم استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخبر، واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم، وذلك لإظهار الحكمة من خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
قال الحافظ: وفي الحديث، الإشارة إلى عِظَمِ هاتين الصلاتين لكونهما تجتمع فيهما الطائفتان، وفي غيرهما طائفة واحدة، والإشارة إلى شرف الوقتين المذكورين، وقد أورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح، وأن الأعمال ترفع آخر النهار، فمن كان حينئذٍ في طاعة بورك في رزقه وفي عمله، والله أعلم.
1051- وعن جرير بن عبد الله البَجَليِّ رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقَالَ: «إنَّكُمْ سَتَرَونَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتهِ، فَإنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا». متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية: «فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ أرْبَعَ عَشْرَةَ».
قال المهلب: خصَّ هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما، ورفعهم أعمال البلاد، لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم.
قال العلماء: ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية أن الصلاة أفضل الطاعت، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما، ورفع الأعمال وغير ذلك، فهما أفضل الصلوات فناسب أن يجازى المحافظ عليهما بأفضل العطايا، وهو النظر إلى الله تعالى.
1052- وعن بُرَيْدَة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ». رواه البخاري.
قال البخاري: باب من ترك صلاة العصر، وذكر الحديث عن أبي المليح، قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكِّروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله».
قال الحافظ: قيل: خص يوم الغيم بذلك؛ لأنه مظنة التأخير، إما لمتنطع يحتاط لدخول الوقت فيبالغ في التأخير حتى يخرج الوقت، أو لمتشاغلٍ بأمر آخر فيظن بقاء الوقت، فيسترسل في شغله إلى أن يخرج الوقت.
قوله: «من ترك صلاة العصر»، في رواية: «متعمدًا».
قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].
وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].

.189- باب فضل المشي إلى المساجد:

1053- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إلى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أوْ رَاحَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
المراد بالغدو هنا: الذهاب إلى المسجد. وبالرواح: الرجوع إلى المنزل، والنُّزُل: المكان الذي يهيأ للنزول فيه.
وفي الحديث: فضل إتيان المساجد للصلاة، والعبادة، والعلم، والذكر.
قال بعض العلماء: عادة الناس تقديم طعام لمن دخل بيتهم، والمسجد بيت الله تعالى فمن دخله أيّ وقتٍ كان من ليلٍ أو نهارٍ أعطاه الله تعالى أجره من الجنة، لأنه أكرم الأكرمين، ولا يضيع أجر المحسنين.
1054- وعنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ، ثُمَّ مَضَى إلى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، لِيَقْضِي فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، كَانَتْ خُطُواتُهُ، إحْدَاهَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً». رواه مسلم.
في هذا الحديث: فضل المشي إلى المساجد لأداء الصلاة المكتوبة.
1055- وعن أُبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ لا أَعْلمُ أَحَدًا أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَتْ لا تُخْطِئُهُ صَلاَةٌ، فَقيلَ لَهُ: لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبَهُ في الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلِي إلى جَنْبِ المَسْجِدِ، إنِّي أُرِيدُ أنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إلى المَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إذَا رَجَعْتُ إلى أهْلِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لكَ ذَلِكَ كُلَّه». رواه مسلم.
قال مجاهد في قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} أعمالهم {وَآثَارَهُمْ} [يس: 12]، خطايا بأرجلهم.
1056- وعن جابر رضي الله عنه قال: خَلَت البِقاعُ حولَ المَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلمَةَ أنْ يَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ: «بَلَغَنِي أنَّكُم تُريدُونَ أنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ؟» قالوا: نعم، يا رَسُول اللَّهِ، قَدْ أرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ: «بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُم تُكْتَبْ آثارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثارُكُمْ». فقالوا: مَا يَسُرُّنَا أنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا. رواه مسلم، وروى البخاري معناه من رواية أنس.
قال البخاري: باب احتساب الآثار، وذكر حديث أنس: أن بني سلمة أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم، فينزلوا قريبًا من النبي صلى الله عليه وسلم قال: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعروا المدينة، فقال: «ألا تحتسبون آثاركم».
قال مجاهد: خطاهم: آثارهم، والمشي في الأرض بأرجلهم.
قال الحافظ: وفي الحديث أن أعمال البر إذا كانت خالصة تكتب آثارها حسنات.
وفيه: استحباب السكنى بقرب المسجد، إلا لمن حصلت به منفعة أخرى أو أراد تكثير الأرجل بكثرة المشي. انتهى ملخصًا.
1057- وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أجْرًا في الصَّلاةِ أبْعَدُهُمْ إلَيْهَا مَمْشىً، فَأَبْعَدُهُمْ، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإمَامِ أعظَمُ أجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنَامُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: أن الصلاة مع الجماعة ولو تأخرت أفضل من صلاته منفردًا في أول الوقت.
1058- وعن بُريدَة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَشِّرُوا المَشَّائِينَ في الظُّلَمِ إلى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ.
في هذا الحديث: بُشارة عظيمةٌ للمحافظين على صلاة الجماعة ليلًا ونهارًا.
1059- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ألا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يا رَسُول اللهِ؟ قَالَ: «إسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». رواه مسلم.
سُمِّيت هذه الخصال الثلاث رباطًا، لأنها مجاهدة للنفس، فلزموها من أعظم الجهاد؛ لأن الإنسان إذا غلب نفسه فاز، وإن غلبته خاب.
قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10].
1060- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ المَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بالإيمَانِ، قال اللهُ- عز وجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 18]» الآية. رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
في هذا الحديث: دلالة واضحة على أنَّ معاودة المسجد لصلاة الجماعة من الإيمان.